عن الكتابة حين تُصبح حفظًا للمشاعر والذكريات ..
رحلة العمر، نعم رحلة العمر .. رحلة الحج سنة 1446 هـ كانت رحلة عمري ..
لم أجد أفضل من أن أبدأ الكتابة بسلسلة عن هذه الرحلة .. لن أكتب عن رحلة الحج كما يكتبها الرحالة أو المؤرخون أو الباحثون، بل أكتبها كما عشتها بالقلب واستوعبتها بالروح ..
لم تكن حَجتي مثل حجة الليدي إيفلين كوبولد التي تركت لندن في ثلاثينيات القرن الماضي لتصل إلى مكة على ظهر الجمال في رحلة كتبتها للتاريخ،
ولم تكن كحجة محمد أسد المفكر النمساوي الذي دخل الإسلام وسار إلى البيت الحرام مدفوعًا بلهفة الإيمان الوليد


وكانت مختلفة عن حجة مراد هوفمان الدبلوماسي الألماني المتبحر في الفكر الغربي والذي رأى في الإسلام اكتمالًا للفكر لديه فأسلم وحج،
حجي بعيدة عن حجة مايكل وولف الكاتب الأمريكي والذي اتخذ من الحج مغامرة في للبحث عن الحقيقة وكتب عن رحلات آخرين إلى مكة ..


قد لا تكون حكاية حَجتي مثيرة كما حكاياتهم، لكنها حكاية مشاعري وسعيي الضعيف .. وكرم الله الواسع ..
ولكل حاج حكايته الفريدة ..
سألت نفسي كثيراً عن دوافع كتابتها، هل تستحق حكايتي هذه أن تُروى؟ هل تحوي شيئاً مختلفاً؟
الحقيقة لا أعرف ..
ولكني أعرف أني أكتبها لأحتفظ بكل المشاعر والذكرات ..
أحيكها لأنني لا أريد أن تطويها الأيام .. لا أريد أن أنسى تفاصيلها .. أكتبها لي أولا وأخيراً .. ثم لقارئها ..
وأتذكر ما قاله ابن خلدون عن الكتابة في مقدمته: “وأما الكتابة وما يتبعها من الوراقة، فهي حافظة علي الإنسان حاجته ومقيدة لها عن النسيان، ومبلغة ضمائر النفس إلى البعيد الغائب” .. وهذه محاولة لذلك ..
يقول ابن القيم عن الحج: ” وأما الحج فشأن آخر لا يدركه إلا الحنفاء الذين ضربوا في المحبة بسهم، وشأنه أجل من أن تحيط به العبارة، وهو خاصة هذا الدين الحنيف، حتى قيل في قوله تعالى ( حُنَفَاءَ لِلَّهِ ) أي حجاجا” .. لن تحيط كلماتي إلا بالنزر القليل مما يمكن أن يكون من شأن هذه الرحلة ..
أكتب لأنني أريد أن أعود إليها كلما اشتقت .. أعود إلى الدعاء، إلى لحظة الإجابة، إلى سكينة البيت، إلى صوت التلبية وهو يهز القلب لا الأذن ..
أكتب لأن النعم التي لا تُوثّق قد تُنسى، ولأن المشاعر التي لا تُحفظ بالكلمات تذوب في أيام الحياة وأحداثها..
وربما أكتب لأنني أخشى أن لا أعود ..
ألقاكم في المقال القادم وحكاية الاستطاعة ونبض الشوق الصامت .. شوق لم يمت ولكنه عاش عمرًا في القلب دون صوت، وظلّ ينتظر أن يُفتح له الطريق ..
دانة المري
#دال13